فسيروا مادام لكم النور |
في أنجيل معلمنا : (يوحنا 12)
"فقال لهم يسوع: النور معكم زمانا قليلًا بعد، فسيروا مادام لكم النور، لئلا يدرككم الظلام، والذي يسير في الظلام لا يعلم إلى أين يذهب".
+ يا أحبائي :"آمنوا بالنور، مادام لكم نور" ولكن عن أي وقت يتحدث هنا؟ هل عن كل الحياة الحاضرة ، أم عن الوقت ما قبل الصليب؟أظن أنه عن كليهما. فإنه من أجل محبته للبشر التي لا توصف كثيرون آمنوا حتى بعد الصليب. ينطق بهذه الأمور ليحث على الإيمان .
القديس يوحنا الذهبي الفم
لتصيروا أبناء النور . تكلم يسوع بهذا، ثم مضى واختفى عنهم" ، إذ هو منشغل بخلاصهم طلب منهم أن يهتموا بأعماقهم فيسلكوا في النور ما دام لهم النور حتى لا يصيروا أبناء الظلمة. لم يدخل معهم في حوارات جافة ، بل وجههم إلى ما هو لخلاصهم وبنيانهم . طلب منهم أن يتمتعوا بنوره مادام قد تجسد وحلّ بينهم، حتى يحملهم إلى النور السماوي الأبدي.
+ حياتنا هي فرص قليلة ، ربما لا تتكرر، لذا لاق بنا أن ننتفع بكل فرصة لأجل شركتنا مع الله. إنجيلنا هو سراج للنفس ينيرها. من لا يقبل نوره يسقط في الظلمة، وأما من يتمتع به فيصير ابنًا للنور (لو ١٦: ٨؛ أف ٥: ٨)، وابنًا للنهار (١ تس ٥: ٥).
+ إنه يحذرهم بأنهم سيشتهون أن يروا يومًا من أيام ابن الإنسان ولا يروا (لو ١٧ : ٢٢)؛ وأن ملكوت الله يُنزع منهم ويُعطى للأمم (مت ٢١ : ٤٣).
+ يقول يوحنا الرسول عن السيد المسيح : "ثم مضى واختفي عنهم"؛ فإن سألت: وما غرض السيد المسيح من أن يختفي؟ لأنهم لم يحملوا حجارة ليقتلوه، ولا جدفوا عليه مثلما فعلوا فيما سبق، فلِمَ اختفي؟! أجبتك: إذ يعرف السيد ما في قلوبهم من تذمرٍ مملوء بالغضب،لم ينتظر حتى يخرج هذا الغضب إلى حيز التنفيذ، لكنه اختفي ليهدئ من شرهم.
القديس يوحنا الذهبي الفم
+ أخيرًا إذ قدم لهم نصيحة أبوية أن ينتهزوا فرصة وجوده لكي يشرق بنوره عليهم فيبدد ظلمتهم، موضحًا أن الوقت مقصر، والزمان الذي بقي قليلًا ليتركهم، في الحال مضى واختفى عنهم، حتى لا يدخلوا في جدالٍ، بل يفكروا في جدية من جهة موقفهم منه.
5. شهادة الأنبياء لمجده
"ومع أنه كان قد صنع أمامهم آيات هذا عددها لم يؤمنوا به".
+ يقدم لنا يوحنا الإنجيلي شهادة إشعياء النبي لمجد السيد المسيح ورفض اليهود له، لأنهم "أحبوا مجد الناس أكثر من مجد الله".
+ من جهة كثرة معجزاته فيقول "هذا عددها"، مع ذلك لم تحثهم على الإيمان به، بل على حسده ومقاومته. لم يسمعوا عنها فقط، وإنما صنعها "أمامهم"، لأنه لم يصنعها خفية بل علانية بشهود كثيرين. مع هذا لم يؤمنوا به، إذ أصيبت أعين قلوبهم بالعمى بشهواتهم التي قست قلوبهم وأفسدتها.
"ليتم قول إشعياء النبي الذي قاله: يا رب من صدق خبرنا، ولم أستعلنت ذراع الرب".
+ تحققت نبوة إشعياء بأنهم لن يصدقوا الشهادات النبوية والإعلانات الإلهية، ولم يقبلوا ذراع الرب الذي هو قوته وسلطانه وعجائبه ، "خبرنا" هنا تشير إلى الإنجيل الذي تنبأ عنه إشعياء وغيره من الأنبياء.
+ مرة أخرى لاحظوا هنا أن "لأن" و "قال" لا تشيران إلى علة عدم إيمانهم، إنما تشيران إلى الحدث ذاته. فإنه ليس لأن إشعياء قال هم لم يؤمنوا، وإنما إذ لم يريدوا أن يؤمنوا هو قال: فلماذا لم يعبر الإنجيلي هكذا بدلًا من جعل عدم الإيمان صادر عن النبوة وليست النبوة صدرت عن عدم الإيمان؟ لقد وضع هذا الأمر بطريقة إيجابية قائلًا: "لهذا لم يقدروا أن يؤمنوا، لأن إشعياء قال" ، إنه يرغب في تثبيت عدم خطأ الحق الكتابي بطرق كثيرة، وأن ما سبق فقاله إشعياء لم يسقط بل حدث ما قاله.
+ لا يتجاسر أحد في دفاعه عن حرية الإرادة بطريقة بها يحاول أن يحرمنا من الصلاة القائلة: "لا تدخلنا في تجربة". ومن الجانب الآخر لا ينكر أحد الإرادة ويتجاسر فيجد عذرًا للخطية. لنلتفت إلى الرب في تقديمه الوصية، وفي تقديمه عونه، ففي كليهما يخبرنا عن التزامنا بالواجب، وعن مساندتنا في تنفيذه. فإن البعض يرتفعون إلى الكبرياء خلال ثقتهم المبالغ فيها في إرادتهم الذاتية، بينما يسقط آخرون في عدم المبالاة خلال المبالغة في عدم الثقة.
يقول الأولون: "لماذا نسأل الله ولا نسعى نحن للغلبة على التجربة ما دام كل شيء في مقدورنا؟"
يقول الآخرين: "لماذا نجاهد لنحيا صالحين مادامت القدرة على فعل هذا هي في يد الله؟"...
من جانبٍ يلزمنا أن نشكره من أجل القوة التي يمنحنا إياها، ومن الجانب الآخر يلزمنا أن نصلي لكي لا تفشل قوتنا الصغيرة تمامًا. إنه ذات الإيمان عينه العامل بالمحبة (غلا ٥ : ٦)، حسب القياس الذي يهبه الرب لكل إنسان، حتى أن من يفتخر لا يفتخر بذاته بل في الرب (١ كو ١: ٣١) .
+ هؤلاء اليهود "لم يقدروا أن يؤمنوا"، ليس أن هؤلاء الناس لا يقدروا أن يتغيروا إلى الأفضل، وإنما مادامت آراءهم تسلك في هذا الاتجاه لا يقدروا أن يؤمنوا، لهذا فهم عميان وغلاظ القلوب، لأن بإنكارهم الحاجة إلى عون إلهي لم يجدوا عونًا ].
القديس أغسطينوس "قد أعمى عيونهم وأغلظ قلوبهم، لئلا يبصروا بعيونهم،
ويشعروا بقلوبهم، ويرجعوا فأشفيهم".
لم يقدروا أن يؤمنوا، لأنهم لم يريدوا، ولا طلبوا عون الله ونعمته لمساندتهم. لهذا لم تفتح نعمة الله أعينهم لمعاينة الحق والتمتع بالخلاص؛ هذا ما يعنيه بقوله: "أعمى عيونهم". مقاموتهم طمست عيون قلوبهم، فلم ينالوا الشفاء من طبيب النفوس والأجساد، فصاروا كمن أعمى الله عيونهم. الإصرار المستمر وعدم الرغبة في التمتع برؤية الحق جعلتهم عاجزين عن الإيمان الحي. هذا النص ورد في (إشعياء ٦: ٩)، ربما يشير إلى الحكم الذي يحل عليهم كأمةٍ.
.
+ إن سألت: مجد من رأى إشعياء النبي؟ أجبتك: مجد الآب. ولعلك تقول: فكيف يتحدث إشعياء النبي عن مجد الآب، ويوحنا البشير عن مجد الابن، وبولس الرسول عن مجد الروح؟
+ أجيبك: لم يكن حالهم حال من يجمعون الأقانيم، لكنهم قالوا هذا القول موضحين رتبة واحدة موجودة بهم، وبيان ذلك أن سمات الآب هي سمات ابنه، وسمات الابن هي سمات الروح.
القديس يوحنا الذهبي الفم : ولكن مع ذلك آمن به كثيرون من الرؤساء أيضًا،
غير أنهم لسبب الفريسيين لم يعترفوا به، لئلا يصيروا خارج المجمع".
+ آمن به بعض الرؤساء مثل نيقوديموس (يو ٣)، حاسبًا إياه معلمًا من عند الله، وأيضًا يوسف الرامي الذي تقدم لبيلاطس لاستلام جسده، ونال بركة دفنه في قبره الجديد. ووُجد غيرهما ممن آمنوا به في قلوبهم، لكنهم لم يتجاسروا ويعلنوا إيمانهم علانية. وسنتحدث عن مجمع السنهدرين في نهاية هذا الأصحاح بمشيئة الرب.
ظن إيليا أنه وحده يعبد الله ولم يدرك أن سبعة آلاف رجل لم يحنوا ركبة لبعلٍ يراهم الله ولا يعرفهم العالم. هكذا في كل جيل توجد بقية أمينة خفية لها تقديرها في عيني الله لا عند الناس.
تابعــــــــــوني
واذكـــــــــــــــروني فــــي صلواتكـــــــــم
Ayad Hizene
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق